تزامنا مع مرور سنة على صدور الأمر الحكومي عدد 375 لسنة 2020 المؤرخ في 29 جوان 2020 المتعلق بتنظيم عملية نشر التقارير الرقابية، ونظرا للأهمية التي توليها الهيئة لتطبيق مقتضيات هذا الأمر لما له من أثر عميق على تثمين أعمال الهيئات الرقابية وتكريس مقتضيات الشفافية والمساءلة على مستوى عمل الهياكل العمومية، نظمت الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية تحت سامي إشراف سيادة رئيس الجمهورية ندوتها السنوية لسنة 2021 تحت عنوان " نشر التقارير الرقابية دعامة لتكريس الشفافية والمساءلة".
وتم خلال الندوة التركيز على ثلاث محاور وهي:
1. المعايير الدولية والتجارب المقارنة في مجال نشر التقارير الرقابية
تم خلال الجلسة الأولى للندوة التأكيد على أهمية انخراط تونس في مبادرة شراكة الحكومة المفتوحة وتكريس الحق في النفاذ إلى المعلومة عبر إصدار النصوص القانونية والترتيبية اللازمة وخاصة تكريس النفاذ إلى المعلومة ضمن الممارسات الفعلية.
كما أكد مختلف المتدخلين على ضرورة وضع واحترام عدد من الضوابط والشروط ومنها :
إعداد دليل إجراءات يعنى بنشر التقارير الرقابية. العمل على إرساء منصة الكترونية وقاعدة بيانات والتبادل الالكتروني للتقارير الرقابية. الاستئناس بالمعايير الدولية للرقابة الداخلية ( IIA ) خاصة منها سلسلة المعايير 2400 المتعلقة بنشر نتائج التدقيق الداخلي.
الاستئناس بالمعايير الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة ( INTOSAI ) خاصة منها المبدأ السابع والثامن المتعلقان بنشر التقارير الرقابية والتواصل حولها بمختلف الصيغ الممكنة.
اختيار التوقيت المناسب لنشر التقارير الرقابية ووجوب عدم التأخير في عملية النشر لتحقيق النجاعة والفاعلية اللازمة لمخرجات هذه التقارير الرقابية.
المرور من حق الاطلاع والنفاذ إلى المعلومة إلى سياسة اتصالية شاملة ومتكاملة للهيئات الرقابية.
شمولية عملية النشر بحيث ولا تنحصر في التقارير الرقابية وإنما يجب أن شمل البرامج الرقابية ضرورة تحديد الشروط اللازمة لنشر التقارير الخصوصية لكي لا يتم حجب هذا الصنف من التقارير الرقابية. ضرورة الاستئناس ببعض التجارب الناجحة في مجال نشر التقارير الرقابية يذكر منها التفقدية العامة للمالية الفرنسية ( IGF ) مكتب التدقيق البريطاني ( NAO ) ومكتب المساءلة الأمريكي ( GAO ).
2. التجربة التونسيّة في نشر التقارير الرّقابيّة
تم خلال الجلسة الثانية استعراض التجربة التونسية في خصوص نشر التقارير الرقابية وأكد المتدخلون في هذا الإطار على :
أهمية تثمين والاستئناس بتجربة محكمة المحاسبات في نشر التقارير الرقابية نظرا للخبرة التي اكتسبتها خلال ما يزيد عن 10 سنوات.
ضرورة اعتماد مسار موثق من خلال أدلة إجراءات ومذكرات عمل لصياغة ونشر التقارير الرقابية.
ضرورة اعتماد مخطط استراتيجي يتضمن سياسة اتصالية للهيئات الرقابية تمكن من تثمين مخرجات التقارير الرقابية
.
ضرورة اعتماد حلول مبتكرة لنشر التقارير الرقابية ( Hackaton النزاهة الخاص بمحكمة المحاسبات ) مع استعمال الوسائط الالكترونية والسمعية البصرية وغيرها من الوسائل الأخرى لتبليغ ونشر مخرجات أعمالها يذكر منها "راديو نزاهة" الخاص بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
ضرورة الاستئناس بتجربة الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية في ما يتصل بدراسة واستغلال التقارير الرقابية ومتابعة تنفيذ الإصلاحات بهدف تأكيد نجاعة وفعالية العملية الرقابية بصفة عامة.
ضرورة احترام مجموعة من الضوابط والمتطلبات الفنية عند صياغة التقارير الرقابية بهدف النشر مع التأكيد على نشر صيغة تتسم بالوضوح والدقة وقابلة للفهم من قبل المواطن وكل الفئات المتلقية للتقرير الرقابي.
ضرورة مزيد العمل على تحديد أشكال التقارير الرقابية القابلة للنشر وذلك نظرا لاختلاف مهام الهيئات الرقابية ( أبحاث، تقييم، رقابة معمقة، إبداء رأي حول القوائم المالية وبصفة عامة حول معطيات ذات صبغة مالية ...).
3. ضوابط ومقتضيات نشر التقارير الرقابيّة
تمحورت الجلسة الثالثة للندوة حول الضوابط والشروط الواجب احترامها خلال نشر التقارير الرقابية وأهمها :
وجوب احترام المقتضيات القانونية والترتيبية المتصلة بالنفاذ إلى المعلومة في ما يتصل بنشر التقارير الرقابية مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات حماية المعطيات الشخصية وحماية المعطيات الاستراتيجية للمؤسسات الناشطة في قطاعات تنافسية وكذلك الشأن بالنسبة لمقتضيات الأمن العام والدفاع الوطني والعلاقات الدولية.
ضرورة العمل على نشر تقارير الرقابة بمواقع خاصة بالهيئات الرقابية ولدى وزارات الاشراف القطاعي بهدف تعميم وتوسيع نطاق عملية النشر.
ضرورة احترام المبادئ الدستورية المتعلقة بعدم الحد من الحقوق والحريات وخاصة الحق في النفاذ إلى المعلومة مع التقيد بالضوابط اللازمة عند نشر التقارير الرقابية.
وجوب اعتماد سياسة لتصنيف الوثائق والمعطيات لدى المؤسسات والمنشآت العمومية بهدف تحديد المعطيات القابلة للنشر ضمن التقارير الرقابية خاصة في ما يتعلق بالمعطيات الاستراتيجية.
وجوب القيام نشر بعض معالجة خصوصية للمعطيات الاستراتيجية والتجارية والإقتصادية للمؤسسات والمنشآت العمومية قبل نشرها للعموم وتضمينها بالتقارير الرقابية وذلك حماية لهذه المؤسسات من المنافسة.
4.إصدار الوثيقة المرجعية : "الممارسات الجيّدة لنشر التقارير الرّقابيّة"
تزامنا مع الندوة، و بمناسبة مرور سنة على صدور الأمر الحكومي عدد 375 لسنة 2020 المؤرّخ في 29 جوان 2020 المتعلق بتنظيم عملية نشر تقارير هيئات الرّقابة وتقارير المتابعة الصادرة عنها تولّت الهيئة العليا للرّقابة الإدارية والمالية إصدار وثيقة مرجعية تحت عنوان الممارسات الجيّدة لنشر التقارير الرّقابيّة وضعتها خاصّة على ذمّة المراقبين العموميين وجميع الأطراف المعنية بالشأن الرقابي بصفة عامة مساهمة منها في الارتقاء بجودة الأعمال الرّقابيّة وكفاءة المختصين في الرّقابة.
ويتنزّل إعداد هذه الوثيقة في إطار سعي الهيئة العليا للرّقابة الإدارية والمالية إلى المساهمة في نشر الوعي بأهميّة نشر التقارير الرّقابيّة في تنمية ثقافة المواطنة وتكريس مبادئ الشفافية والمساءلة على مستوى عمل الهياكل العمومية وكذلك في إطار سعيها إلى تثمين عمل المراقبين العموميين والحرص على ضمان تبليغ مخرجات المهمات الرقابية وحسن استغلالها من قبل المستعملين.
وحرصت الهيئة العليا للرّقابة الإدارية والمالية من خلال إصدار هذه الوثيقة إلى مواصلة مجهودها الذي شرعت فيه في السنوات الأخيرة من خلال إيلاء "المقاربة الوقائية" في عمل هياكل الرّقابة الأهمية اللازمة وذلك بتوفير الأدلة والوثائق المرجعية وتدعيم قدرات المراقبين بما يساهم في الرّفع من كفاءتهم وخاصّة تثمين جهودهم ومخرجات أعمالهم بما يساهم في تحسين أداء الهياكل العمومية ويحافظ على المال العمومي.
وقد تمثّلت هذه الجهود خاصة في إصدار " الدليل المنهجي للمتفقد الإداري والمالي في تونس " ( 2020 ) و" مدوّنة أخلاقيات المتفقد الإداري والمالي والفني في تونس " ( 2020 ) و" دليل الممارسات الفضلى من أجل حوكمة رشيدة للمؤسسات والمنشآت العمومية " ( 2019 ) والدراسة الخصوصية حول " العشرة أخطاء الأكثر شيوعا في مجال التصرّف العمومي " ( 2018 ) و" دليل المتصرّف العمومي لاجتناب أخطاء التصرّف " ( 2017 ) واصلت الهيئة العليا للرّقابة الإدارية والمالية من خلال إصدار هذه الوثيقة المرجعية حول "الممارسات الجيّدة لنشر التقارير الرّقابيّة " وضع الخبرة والتجربة التي تراكمت لديها في مجال إعداد الأدلة والوثائق المرجعية بهدف تدعيم وتعزيز قدرات المراقبين وخاصّة التعريف أكثر بمحتوى التقارير الرقابيّة ومتابعة تنفيذ التوصيات والإصلاحات التي تضمّنتها من أجل إحكام التصرّف في المال العام وتحسين أداء الهياكل العمومية.
وتتضمّن هذه الوثيقة المرجعية أساسا أبرز المفاهيم الأساسيّة المتّصلة بالمجال الرّقابيّ والإطار القانوني والترتيبي وخاصّة الالتزامات والمعايير المهنية الدولية المعمول بها في خصوص نشر التقارير الرّقابيّة واستراتيجية التواصل مع كافة الفئات المتلقية للتقارير من أجل تثمين مخرجاتها. كما تتطرّق إلى أهمّ المتطلبات والضوابط التي تحكم عملية نشر التقارير الرّقابيّة فضلا عن حوصلة للتجربة التونسية في هذا المجال.