رئيس الهيئة في حوار مع جريدة الصريح

اجرت الصحيفة اليومية الصريح حوارا مطولاً مع رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية السيد أحمد عظوم ، وقع نشره على امتداد يومي السبت والأحد 23 و24 ماي 2015 ، هذا نصه :

كلام كثير غير منقطع حول الأموال العمومية وطرق التصرف فيها في ظل الظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد وما تمر به عديد المؤسسات العمومية من صعوبات حقيقية وكذلك الحديث عن ضرورة إجراء عمليات تدقيق في سبل التصرف في المل العام في عدد من هذه المؤسسات. ومعلوم أن هيئات الرقابة وهياكلها هي المعنية بالعمل الرقابي ولكن الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية الراجعة بالنظر لمؤسسة رئاسة الجمهورية وبالرغم من " إسمها العالي ... " ومرور ربع قرن على إحداثها فهي مازلت محدودة الصلاحيات ومن ذلك أنها لا تتمتع قانونيا بصلاحية المراقبة المباشرة ولم تتوسع مجالات تدخلها حتى بعد مرور خمس سنوات على الثورة. 

أمام هذه الوضعية، وما تواجهه الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية من ثقل الأعباء والتحديات، كيف تعمل وتنسق مع بقية الهيئات الرقابية لضمان نجاعة التدخلات ومتابعة إصلاح النقائص والإخلالات المسجلة على ضوء التقارير المرفوعة إليها ؟

وكيف يكون تصرفها وتعاطيها في حال اكتشاف فساد أثناء إنجاز مهمة رقابية تفقدية في هذه المؤسسة العمومية أو تلك ... ؟

اسئلة حملناها إلى القاضي أحمد عظوم، رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية الذي أفرد "الصريح" بهذا الحوار الحصري معه: 

 

هل توسَّعت صلاحيات الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية بعد  خمس سنوات من الثورة وأكثر من 20 سنة على إحداثها ؟

أجدني مضطرا في البداية إلى التعريف بالهيئة العليا للرقابة الإدارية و المالية ، و ذلك لما يقتضيه حسن الجواب عن سؤالكم من جهة ومصداقيته من جهة أخرى ، فهي مؤسسة ضبط القانون عدد 50 لسنة 1993 المؤرخ في 3ماي1993 صلاحياتها، و نظمها الأمر عدد 906 لنفس السنة المؤرخ في 19أفريل1993، وتتمثل هذه الصلاحيات أساسا في تنسيق برامج تدخل هياكل الرقابــة و استغلال تقاريرها و اقتراح ما تراه من إجراءات كفيلة بتلافي النقائص الواردة بتلكم التقارير و تحـسين طرق التـصرف و مــتابعة تنفيذها ، كصلاحيات هامة و شاملة ساهمت في إصلاح وضعية عديد المؤسسات والإدارات منذ إحداث هذه الهيئة إلى اليوم ، تأكيدا في هذا المجال على ضرورية دور المتابعة اعتبارا و إنه لا جدوى من إجراء رقابة لا يعقبها تنفيذ التوصيات الصادرة عــــن هياكلها بما يتيح تلافي الاخلالات و النقائص الواقع معاينتها ،غير إن هذه الصــــــلاحيات الموكولة إلى الهيئة العليا للرقابة الإدارية و المالية لم تشهد أي تطور أو توسع قبل الثورة ، وحتى بعدها ، رغم جازم الاعتقاد بالحاجة الشديدة إلى توسيع هذه الصلاحيات لضمان مزيد النجاعة على  تدخلات الهيئة ، و هنا أراني مشيرا إلى مشروع القانون الواقع إعداده سنة 2012 والذي استهدف في ما استهدفه توحيد هياكل الرقابة كلها ـ عدا دائرة المحاسبات ـ  بكل مسمياتها .

لكن لماذا لم يتم تمرير المشروع ؟ 

هذا المشروع  لم يتجاوز إلى مرحلة التطبيق، إذ لم يقع النظر فيه من قبل المجلس التأسيسي ، ولم تَـتْـلُهُ مبادرات لاحقة ، مقابل تسجيل عدم القبول به من طرف شقٍّ من المراقبين ، بما استدعى وقفة تأمل داخل الهيئة بعد تسميتي على رأسها في 24 مارس 2014 : فإمَّا المُضيُّ في الدفاع عن ذلك المشروع رغم الصعوبات المحيطة والذي لا يهم الهيئة وحدها بل المنظومة الرقابية ككلٍّ أو التفكير في المبادرة بإصلاح و ترتيب بيت الهيئة الداخلي لمواجهة تحديات المرحلة لتكون أكثر فاعليةً في إطار الواقع الحــــــالي ، و هو ما استغرق وقتا غير قصير نظرا لحجم المسؤولية في اتخاذ هذا القرار أو ذاك  ، ليتم في الأخير تقرير اختيار الفرضية الثانية  ، كقرارٍ لم يقع التوصل إليه إلا بعد نقاشات مستفيضة و عمل كبير صلب الهيئة بمشاركة المكلفين بمأمورية الخمسـة  الذين أشكرهم بالمناسبة على مـــا قامـــــوا و يقومون به من جهود ، هذا العمل الذي حرصت شخصيا على أن يكون هادئا و صامــتا بعيدا عن أي زخم إعلامي و نحوه كي نضمن موضوعيته ، فكان الانكباب على تقييم عملها و دراسة واقعها في ظل النصوص القانونية المنظمة لهــــــــا و التفكير في تطويرها بالقدر الذي يسمح بإضفاء مزيد النجاعة على عملها ، كوضع التصورات المستقبلية الضامنة لنجاح المهام الموكولة إليها بما أفضى إلى إعداد وثيقةٍ وقع توجيهها في أواخر السنة المنقضية إلى الجهات المعنية تهدف إلى دعم وظيفتي التنسيق والمتابعة وإلى تجاوز الصعوبات العملية التي تعترض الهيئة في ممارسة مهامها وإلى توضيح علاقتها خاصة بالهياكل محل المتابعة ، وما إلى ذلك مما يعتبر واقعا  في صميم اختصاصها وهيكلتها الذاتية .

كيف وجدتم الأوضاع الإجتماعية لموظفي الهيئة وكيف تعاطيتم معها ؟ 

نظرا لعدم تمتع موظفي الهيئة بأي منحة وظيفية على غرار بقية زملائهم بشتى مؤسسات الدولة عموما ونظرائهم برئاسة الجمهورية خصوصا نظرا وإن الهيئة العليا للرقابة الإداريــــة و المالية تابعة للمؤسسة الرئاسية ، فقد كان العمل أيضاً حول المسألة الاجتماعية بالنسبة إلى موظفي الهيئة. و تطلب ذلك العمل وقتا ليس بالقصير ولا الهين إلى حين  التوصل إلى صدور أمر في الغرض بتاريخ 21  جانفي 2015  ، والذي سبقه القبول بإلحاقهم بالتعاونية الراجعة إلى مصالح رئاسة الجمهورية. وبالمناسبة أتوجه لهؤلاء الموظفين بالمناسبة تحية خالصة تثمينا لجهودهم عموما ولروح المسؤولية التي طبعت مطالبتهم الصامتة بتحسين أوضاعهم المادية و الاجتماعية دون تذمرٍ أو انقطاع عن العمل.

كيف يتم التنسيق مع بقية هيئات الرقابة لضمان العملية الرقابية التفقدية للتصرف في المال العمومي ؟

تتم في نهاية كل سنة مراسلة مختلف الهيئات الرقابية و التفقديات الوزارية ومطالبتها بمدِّ الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية بمشاريع برامجها الرقابية التي تتولى الهيئة تجميعها قصد التأكد من عدم برمجة مهام رقابية مزدوجة تشمل إدارة أو مؤسسة واحدة ، فإذا كان مثل ذلك دُعِيَ أحد الهياكل إلى تغيير برنامجه و تعويض الإدارة أو المؤسسة بأخرى ، مع مراعاة برنامج دائرة المحاسبات في هذه العملية  توافقا مع ما نص عليه القانون في شأنها .

 كم عدد التقارير التي تلقيتموها من دائرة المحاسبات وهيئات الرقابة العامة والتفقديات بالوزارات وكيف يتم التعامل مع تلك التقارير؟

ورد على الهيئة خلال الفترة الممتدة من 2012 إلى حدود موفى أفريل 2015 ثلاثمائة و أربعة وثلاثون تقريرا (334) كدليلٍ على التواصل القائم بين مختــلف هيئات الرقابة و هياكلها من جهة و الهيئة العليا للرقابـــــــــــة الإدارية و المالية من جهة أخرى ، لتتولى هذه الأخيرة دراسة ومتابعة كل التقارير التي تعدُّها دائرة المحاسبات وهياكل الرقابة العامة ، أمَّا بالنسبة للتفقديات الوزارية فإن الأمر يقتصر على تناول بعض تقاريرها فقط بالدراسة و المتابعة وذلك بحسب أهميتها اعتبارا وإن الوزارات مدعوة هي ذاتها إلى متابعة التوصيات الواردة بتلكم التقارير، مقابل عدم كفاية عدد الإطارات و الموظفين للقيام بهذه المهام التي تحتاج إلى كثير من الدقة و التثبت ، و المحتاجة إلى التعزيز للقيام بواجب المتابعة على أفضل الوجوه و بنسقٍ أسرعَ مما هو واقعٌ في إطار مزيد إضفاء النجاعة بما نعتبره أحد عناصر الإصلاح المنشود .

كيف تتم متابعة التوصيات والملاحظات المتعلقة بالتدقيق في التصرف في الأموال العمومية ؟

تتابع الهيئة التدابير التي تتخذها المؤسسات المعنية بعمليات المراقبة والتفقد وتتبين مدى توفقها في إصلاح وتدارك النقائص المضمنة بالتقارير المعدة بالمناسبة  وذلك كما يلي :

ـ المتابعة الأولى:

  • استخراج النقائص والإخلالات التي تمّ الكشف عنها.
  • مساءلة المؤسسات المعنية حول إجراءات الإصلاح المتخذة بخصوصها.
  • تقييم هذه الإجراءات.
  • تقديم توصيات لاستكمال أعمال التدارك والإصلاح.

ـ المتابعات اللاحقة :

  • دراسة وتقييم التدابير المتخذة لتجسيم التوصيات التي تقدمت بها الهيئة إلى حين استكمال انجازها كلها أو أغلبها أوأهمِّها.

في صـــــورة اكتشاف فساد مالي أو سوء تصرف في المال العمومي و"فلوس الشعب" بإدارة مـــن الإدارات العمومية ماذا تقترحون ؟

لما تتم عملية اكتشاف الفساد من قبل الفريق المراقب بمناسبة أعمال الرقابة التي يباشرها على تصرُّف الهيكل المعني يكون مطالبا بإحالة الملف إلى القضاء عن طريق وزيره ، وتتابع الهيئة مع المؤسسة المعنية بعملية الرقابة تطورات القضية ، أمَّا و حين  ترد على الهيئة شكاوى وعرائض تتعرض لوجود فساد مالي في مؤسسة معينة، فإنَّها أي الهيئة تحيل الملف إلى هيكل رقابة عامَّة حسب الاختصاص وأعباء العمل المحمولة عليه وتطلب منه القيام بعملية التفقد أو البحث ، وذلك نظرا لأنها لا تملك صلاحيــــــات المراقبة المباشرة إطلاقا خلافًا لما يذهب في اعتقاد الكثيرين الذين يتصورون مثل ذلك واقعًا في مجال اختصاصها ، وهو ما حمَّلَ الهيئة في عديد الأحيان عبئ مسؤوليةٍ ممنوعة عنها قانونا ، ولذلك  يتعين التأكيد على الفرق بينها و بين ما هو موكول إلى غيرها من هيئات مكافحة الفساد المتخصصة في مجاله وحده و بعينه ، و لعلَّهُ تجب الإشارة في هذا الصَّدد إلى دور الرقابة الأساسي الذي لا يستهدف مكافحة الفساد لِذَاتِهِ ، بل هو بالأساس دور وقائي يرمي إلى تبين مدى سلامة التصرف الإداري و المالي بالإدارة أو المؤسسة ، حتَّى إذا وقع اكتشاف حالة أو حالات فساد بالمناسبة يتم حينئذٍ التعامل معها بالطريقة المتناسبة ودرجة خطورتها ، تأكيدا بذلك على اختلاف طبيعة الهيئة الرقابية عن غيرها.

 هل لكم أن تقدموا لنا أمثلة عن الإخلالات المرصودة في مجال التصرف في المال العمومي من قبل مؤسسات عمومية خاضعة لهيئات الرقابة ودائرة المحاسبات؟

أجدني مضطرا بمناسبة هذا السؤال إلى تأكيد توضيح عدم أهلية الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية قانونًا ـ وخلافًا لِمَا يوحي به اسمها للوهلة الأولى ـ للقيام بمهمات رقابية أو أبحاث بل أن ذلك من مشمولات الهيئات الرقابية السابق استعراضها ، وهكذا فإن ما يتم الكشف عنه من إخلالات أو تجاوزات في التصرف هو نتاج عمل مختلف هذه الهياكل ، فيتمثل دور الهيئة  والحالة هذه في متابعة مدى حرص الهياكل المعنية بالرقابة على تدارك وإصلاح النقائص المسجلة.

والأمثلة متعددة ومتنوعة ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف ليسهل على القارئ التعرُّفُ إلى دخائل هذه المنظومة الرقابية و كيفية عملها وإطار تحركها بكيفية تسمح له بتــبَـيُّنِ حقيقةِ كلِّ واقعةٍ و الجزاء المترتب عنها  :

  • نقائص تنظيمية يتعين على الهيكل المعني تداركها لضمان أداء مهامه على أحسن وجه ووفق قواعد حسن التصرف في المال العام على غرار عدم احترام إجراءات الرقابة الداخلية ، عدم إعــــــــداد أدلة إجراءات ، عدم تحيين قواعد البيانات،عدم مسك حسابية المواد ...... ، وفي هذا المجال تتقدم الهيئة بتوصيات لتدارك هذه النقائص وقد يستغرق الإصلاح أحيانا حيزا زمنيا كبيرا نظرا لارتباط التدابير الواجب اتخاذها بعوامل خارجة عن نطاق الهيكل محل المتابعة.
  • مخالفة النصوص القانونية  والترتيبية  المنظمة للتصرف العمومي ( مجلة المحاسبة العمومية ، النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، الأمر المنظم للصفقات العمومية ، الأنظمة الأساسية الخاصة......) مما يترتب عنه إلحاق ضرر مالي بالهيكل المعني على غرار صرف أجور أو منح دون احترام قاعدة العمل المنجز،قبول سلع أو مواد غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها بالصفقة،عدم توظيف الغرامات المستوجبة على المزود الذي لم يَفِ بتعهداتــــــــــه ، إسناد منح غير منصوص عليها بالأنظمة الأساسية...... ، وتمثل هذه المخالفات أخطاء تصرف موجبة للتتبع أمام دائرة الزجر المالي على معنى القانون عدد 76  لسنة 1985 المؤرخ في 20 جويلية 1985 ،  و في هذه الصورة يقترح تقرير الرقابة عادَةً الإحالة على دائرة الزجر المالي ، فإنْ لم يحصل تتولى الهيئة مراسلة الوزير المعني مقترحة إحالة العون المسؤول عن الخطأ دون أن يحول ذلك ومؤاخذة هذا الأخير إداريا وتسليط عقوبات تأديبية عليه.
  •  إخلالات أو تجاوزات تمثل أخطاء جزائية التي تقتضي إحالة المسؤولين عنها إلى المحاكم المختصة والتي تدخل عادة تحت طائلة الفصل 96 من المجلة الجنائية الذي يتعلق بجرائم استغلال الموظف أو العون العمومي لصفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة أو مخالفة التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار إليه.أمَّا بالنسبة لحالاتٍ معينة قائمةٍ بذاتها فمعتقدي إنه لا يمكن التصريح بها في حالِ وجودها وفق ما سيقع تبيانه و تفصيله جوابا عن السؤال الموالي طالما سيكون مؤدى ذلك التعارض مع مبدأ التعاطي مع ملفات قضائية منشورة لدى القضاء ، ولعلَّ مراجعة التقرير السنوي للعام 2012 الصادر عن هذه الهيئة والمنشور بموقعها الالكتروني يكفل الاطلاع على مثل هذه الإخلالات وتبيُّنِ طبيعتها من خلال الشرح المستعرض ، مع الإشــــارة إلى أنَّنا اضطررنا إلى حجب هذا الموقع مؤقتا لغاية الانتهاء من تحيينه ، على أن يفتح مجددا في أقرب الأوقات و بما لا يتعدَّى الأسبوع الأول من شهر جوان المقبل بإذنه تعالى ، اقتراح الجزاء المناسب عند الاقتضاء ضمن الإطار القانوني السالف بسطه بعيـــــدا عن التشهير و نحوه .

 

متى يصدر التقرير السنوي لهيئتكم التي مضى أكثر من سنة على تنصيبكم على رأسها ؟

جـــــــرت العادة على تقديم التقرير السنوي في السداسي الأول من السنة الموالية دون أن يمــــنع ذلك من تقديمه لاحقا ، لأن ذلك مرتبط بــــــــــعدة عوامل داخلية تهمُّ الهيئة ذاتها و مكونات الهيئات المعنية بالتقرير المذكور ، و خارجية تتعلق بالجهات التي يرفع إليها التقرير، الذي لا نريده مجرد عملٍ عــــــــــادي مألوفٍ و مُتعارَفٍ عليه لاَ غير ، بل تقريرا صادقا ينقل بكل أمانة وموضوعية واقعَ مُصْدِرَتِهِ الهيئة العليا للرقابة الإدارية و المالية ، وعلى كُلٍّ فمعتقدي إنَّ هذا التقرير سيُرفع إلى من يهمه الأمر في الأسابيع القليلة القادمة إن شاء الله تعالى .

 انطلاقا من مبدأ أن لا أحد فوق القانون ، هل تخضع مؤسسات رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب للرقابة في التصرف واستغلال الأموال العمومية ؟

إنَّ الأحكام الترتيبية القائمة المنظمة لعمل هياكل الرقابة العامة لا تمنع إطلاقا من القيام بمهمات مراقبة أيِّ مؤسسة من مؤسسات الدولة بما في ذلك الرئاسات الثلاث ، غير إنَّ تلك المهمات تبقى خاضعة لصدور الإذن بها من طرف السيد رئيس الحكومة بالنسبة لهيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية ، والسيد وزير المالية في خصوص هيئة الرقابة العامة للمالية ، والسيد وزير أملاك الدولــــــــة و الشؤون العقارية في ما تعلق بهيئة الرقابة العامة لأملاك الدولــــــــة والشؤون العقارية ، وفي المقابل فإنَّ دائرة المحاسبات كجهاز رقابة قضائيٍّ مستقلٍّ لا تخضع لمثل هذا الإجراء وهي المحكومة بنصوصٍ قانونية خاصَّة بها ، وعلى كلٍّ فإنَّ هناك معطياتٍ حول خضوع رئاستي الجمهورية و الحكومة إلى أعمال رقابيةٍ بعد الثورة و إلى حدود السنة الحالية  لا تزال متواصلة ، و التي لم تبلغ نتائجها بَـعْدُ إلى الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية  في إطار أعمال الـمتابعة الموكولة إليها .

ما هو ردكم على الاتهامات بعدم الاستقلالية وهو ما يتعارض مع معايير الشفافية والحياد والاستقلالية في جهاز رقابي بحجم الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية التي ترأسونها؟

الاستقلالية هي معيار من المعايير الدولية التي تخضع لها أجهزة الرقابة وبدونه لن تتمكن هذه الأجهزة من أداء المهام المنوطة بعهدتـــها بكل موضوعية و حيادية بعيدا عن الضغوطات والتأثيرات مهما كان مأتاها ، ولذلك فإنَّ الهيئة العليا  خاضعة لهذا المعيار والاستقلالية والحياد شرطان أساسيان لضمان تحمل الإئتمان قانونا على معطيات الواردة بتقارير الرقابة التي تحال عليها.

وتجدر الإشارة إلى أن الاستقلالية التي نتحدث عنها هي استقلالية وظيفية تخوِّل للهيئة الاضطلاع بدورها بعيدا عن التأثيرات و التجاذبات والضغوطات مهما كان مصدرها و إنْ كانتِ الأمانة تقتضي منِّي تأكيد عدم تسجيل أيِّ تدخُّلٍ في أعمال الهيئة أو محاولَةٍ للتَّـأثير على قراراتها و توصياتها و بأيِّ طريقة كانت صريحَةٍ أو ضمنية ومن أيِّ جهةٍ كانت .

أما بخصوص الإشارة إلى الاتهامات بعدم الاستقلالية لابد من التأكيد على أن مناخ الحرية والتعددية الذي اتسمت به الساحة الإعلامية بعد الثورة بقدر ما يمثل مكسبا هاما بلا شك بقدر ما يحمِّل العاملين بهذا القطاع مسؤولية أكبر للتعاطي مع عديد الملفات التي تعتبر ملفات حسَّاسَةً إلى أبعد حدٍّ ،فالغاية الجوهرية للعمل الإعلامي راميةٌ إلى ذلك دون النيل من اعتبارات الأشخاص و شــــرفهم و كرامتهم ، أو الإفصاح عن معطيات ارتأى المشرع حمايتها ، أو الكشف عن أسرار قد تنال من القدرة التنافسية للمؤسسة الخاضعة للرقابة ، الأمر الذي يقتضي التعرُّفَ على طبيعة عمل هذه الهيئات و خصوصية أطرها القانونية ، ومنْ ثَمَّ التعريف بذلك.

ولذلك فَــنَافِــلَــةُ القول أن الاتهامات الموجَّهة إلى الهيئة العليا للرقابة الإدارية و المالية وإنْ كانت تبدو في ظاهرها موجَّهةً إلى الأشخاص ، فإنَّ غايتها تستهدف في الواقع ضَرْبَ مؤسسة عريقة تنشط منذ اثنين و عشرين سنة في مجال التنسيق والمتابعة وساهمت من موقعها في إصلاح التصرف العمومي وفق صلاحياتها القانونية رغم محدوديتها ، وها هي اليوم ساعيةٌ جهدها ـ كباقي هياكل الدولة ـ إلى تجاوز النقائص التي تعاني منها وإلى تعزيز موقعها في المنظومة الرقابية وفي مؤسسات الدولة عموما.

هل راودتك في لحظة ما فكرة الاستقالة ؟

الاستقالةُ لغةً " طَلَبُ الإِعْفاءِ مِنَ الــمَنْصِبِ ، تَرْكُهُ ، اِعْتِزالُهُ ، التَّنازُلُ عَنْهُ "، ويكون ذلك لسببٍ أو بدونه ، و إنِّي لأزعم وإن ذلك يكون أحيانا تخليا عن المسؤولية لا باعتبارها مسؤوليةً يجني منها صاحبها أرباحا أو يتمتع جرَّاءها بامتيازات بل تخليا عن الواجب ، و هنا يَكْمُنُ في تقديري الخيط الرفيع الفاصل بين المسألتين ، فإمَّا أن تكون استقالةً مؤسسة على أسباب موضوعية أو حتَّى ذاتية يعتقد معها صاحبها جازم الاعتقاد بعجزه عن الاسترسال في القيام بالمهمة الموكولة إليه .

وأقــــول أني ممَّنْ و لا أزال أتحمل مسؤوليتي ما دمتُ قادرًا على تحمُّلِهَا حتَّى إذا عجزت لسببٍ أو لآخر كنت متخلِّيًا عنها و لِتَوِّي ، فلم يُغْرِنِي يومًا بهرج المنصب ولم أسْعَ إليه إطلاقا ، و تأسيسًا على ذلك حَدَثَ أنْ راودتني أحيانًا فكرة الاستقالة سواء في الوقت الراهن أو في أوقاتٍ ماضية متباعدةً ، كفكرةٍ لم تكن تتعدَّى ردَّة الفعل الفورية على موقفٍ حاصلٍ أو صعوبة مُعْتَرِضَةٍ أو نيلٍ من الكرامة الشخصية ، غير إنها سرعان ما تنمحي لمَّا أعْمِل الفكْرَ و أقَلِّبُ الأمر على وجوهِهِ ، فيَـنْمَحِي الشعور بالعجز و يتحول إلى طاقة متجددة و شحنةٍ دافِعَـــــــةٍ .

وأستطيع الجزم بالنسبة لمسؤوليتي هذه وإنَّ مثل هذا القرار سيكون محتَّمًا لـمَّا تتوفَّر مُسَبِّبَاتُهُ وبمجرَّد الاقتناع بعدم إمكانية المواصلة ذاتيًّا أو موضوعيًّا.

 ما حقيقة قصائد المدح لآخر وزير للعدل في النظام السابق ؟

كنتُ و ما زلتُ مهووسًا بِحُبِّ الشِّعْرِ الذي أغتنم الظرف و المناسبة لقراءته أو كتابته أو التصرف فيه ، من ذلك اعتماده للترحيب بضيوف محكمة الاستئناف ببنزرت عند افتتاح السنة القضائية التي يشرف عليها وزير العدل بحضور كافة الإطارات الجهوية ومختلف مكونات الأسرة القضائية ـ رأست هذه المحكمة منذ 16 سبتمبر 2000 وحتى17جانفي2011  تاريخ تسميتي كاتــــــــــب دولة فوزيرا لأملاك الدولة و الشؤون العقارية ـ أو عند توجيه تهاني عيدي الفطر والأضحى من كل عام ، هذه التهاني التي لا أخُصُّ بها أشخاصًا معينين مهما سمت رتبهم بل تشمل إلى جانبهم كافة أصناف الموظفين والعمال ، و إذا صادف مرة أو مرتين اشتمال الأبيات  الشعرية على عـــــبارة "البِـشْــــــر " على امتداد سنواتٍ عَشْرٍ ـ من 2000 إلى 2010 ــ سمح البعض لنفسه بالقول إني مادِحٌ لوزير العدل آنذاك السيد بشير التكاري.

 

 

Top